المعاصي كالسرقة والزنى بمشيئة العبد دون مشيئة الله لأن الله أعلى وأجل من أن يشاء القبائح في زعمهم، فقال أبو إسحاق: كلمة حق أريد بها باطل ثم قال: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء. فقال عبد الجبار: أتراه يخلقه ويعاقبني عليه؟ فقال أبو إسحاق: أتراك تفعله جبرا عليه؟ أأنت الرب وهو العبد؟ فقال عبد الجبار: أرأيت إن دعاني إلى الهدى وقضى على بالردى أتراه أحسن إلي أم أساء؟ فقال أبو إسحاق: إن كان الذي منعك منه ملكا لك فقد أساء وإن كان له فإن أعطاك ففضل وإن منعك فعدل فبهت عبد الجبار وقال الحاضرون والله ما لهذا جواب. وجاء أعرابي إلى عمرو ابن عبيد وقال له ادع الله لي أن يرد على حمارة لي سرقت مني فقال اللهم إن حمارته سرقت ولم ترد سرقتها فارددها عليه فقال له الأعرابي: يا هذا كف عني من دعائك الخبيث إن كانت سرقت ولم يرد سرقتها فقد يريد ردها ولا ترد. وقد رفع الله إشكال هذه المسألة بقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فأثبت للعبد مشيئة وصرح بأنه لا مشيئته للعبد إلا بمشيئة الله جل وعلا. فكل شيء صادر من قدرته ومشيئته جلا وعلا. وقوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} وأما على قول من فسر الآية الكريمة بأن معنى فألهمها فجورها وتقواها أنه بين لها طريق الخير وطريق الشر، فلا إشكال في الآية وبهذا المعنى فسرها جماعة من العلماء. والعلم عند الله تعالى.
سورة الليل
قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} . يدل على أن الله التزم على نفسه الهدى للخلق مع أنه جاءت آيات كثيرة تدل على عدم هداه لبعض الناس كقوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} . وقوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وقوله: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا} الآية. إلى غير ذلك من الآيات.