فأنتم ترون أن الكفار قد بلغ بهم التعنت أقصى مدى فطلبوا من رسول الله ما لا يدخل تحت قدرة البشر ولا غيرهم من الخلق ولا يقدر عليه إلا الله فلذا أمر الله نبيه أن ينزهه بالتسبيح فقال: {ُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} ثم بين حقيقة نفسه وواقع أمره بكل صراحة ووضوح فقال: {هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً} وصفان ظاهران أولهما (بشر) وثانيهما (رسول) بأقوى طرق القصر والتأكيد لأن هل هنا استفهام بمعنى (ما) النافية والنفي وإلا أقوى طرق القصر والتأكيد والقصر هنا حقيقي بمعنى أنه لا يتجاوز البشرية والرسالة إلى غيرهما فالبشرية تستلزم كل خصائص البشرية والرسالة تستلزم كل مقومات الرسالة وخصائصها، وقال تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية وقال تعالى في سورة (ص) .
{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} فقال رجل منهم وقال منذر منهم فبأي حديث بعد الله وآياته نؤمن.
وإليكم الآن أقواله الصادقة الواضحة الصريحة الصحيحة، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الظهر خمسا فلما سلم قيل له: "يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء"قال: "وما ذاك"قالوا: "صليت كذا وكذا"فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم فلما أقبل علينا بوجهه قال: "إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتك به ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني"رواه البخاري.
وانظر فتح الباري ج1 ص503.