فأول ما عرفت الهجرة في الإسلام كان البحر طريقها، والسفينة مطيتها، يوم كانت بلاد الحبشة أرض الهجرة الأولى للمسلمين، وقد اشتد بهم الأذى في مكة، فسافرت منهم طائفة إلى الحبشة، في سفينة اخترقت بهم البحر الأحمر، وكانوا خمسة عشر بين رجال ونساء ثم رجعوا إلى البلد الحرام فلم يلبثوا أن عادوا مخترقين البحر مرة ثانية، في عدد وافر، يناهز المائة، فأقاموا عشر سنين. وصادف أن خرج أثناء ذلك جماعة من الأشعريين، من اليمن في سفينة يريدون الحجاز، فاضطرب البحر بسفينتهم، وألقتهم الرياح إلى العدوة الحبشية، فالتقوا بإخوانهم المهاجرين من قريش، وأقاموا بالحبشة، ولم يرجعوا إلا في العام السابع من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وهؤلاء السادة هم الذين عرفوا في لسان علماء السنة بأهل السفينة، ولهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان"وإن دينا يكون البحر أول طريقي هجرته، زمن الدعوة والابتلاء لحقيق بأن يهرع إلى البحر، موجدا منه لنفسه طريقا زمن التوسع والفتح، لاسيما وباب الغزو البحري مفتوح في الإسلام من عهد البعثة على لسان الوحي فقد ورد في حديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الهاجرة يوما في بيت عبادة بن الصامت الأنصاري رضي الله عنه فنام فلما استيقظ استيقظ ضاحكا، فقالت زوجة عبادة أم حرام بنت ملحان: "ما يضحكك يا رسول الله؟ "قال: "عجبت من قوم من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة". قالت: "أدع الله أن يجعلني منهم"، قال: "أنت مع الأولين"، وأعاد ذلك مرتين أو ثلاثا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015