ولهذا قرر الإسلام حق الإنسان في حرية الفكر واستقلال الإرادة، وفتح له طريق التحرر الفكري والاستقلال الإرادي، وبوأه المنزلة اللائقة بإنسانيته وكرامته، وعرفه أن الله تعالى لم يخلقه عبدا يقاد كما تقاد الأنعام، ولا جعل لمخلوق حق السيطرة على عقله وفكره، وإنما خلقه حرا مالكا لقيادة نفسه، وعبدا خالصا لربه، يفكر بعقله ويسترشد بمواهبه ويعمل باختياره وإرادته، ويهتدي بنور العلم في اختياره وعمله، لا يظهر العبودية إلا لخالقه ولا يدين في عقائده وسلوكه إلا بدين الحجة والبرهان.

وهناك حقيقتان قد يقع الخلط في فهمهما:

أما الحقيقة الأولى: فهي أن التقليد الذي ذمه الإسلام وشدد النكير على أهله، والذي سبق بيان مفاسده وآثاره السيئة في الأفراد والجماعات إنما هو التقليد الذي يقوم على التبعية العمياء، والجمود على القديم الموروث، وومحاربة كل جديد يخالفه، ولو كان ذلك الجديد أقوم طريقة وأهدى سبيلا.

وأما الحقيقة الثانية: فهي أن حرية الفكر التي جعلها الإسلام رائدا للتفكير الديني ونبراسا للعقول والأفهام في الاهتداء إلى معالم الحق هي الحرية التي تطلق العقول والأفهام من أغلال الحجر العقلي، والكبت الفكري، وتحررها من سيطرة التقليد والتبعية العمياء، وتجلي لها معالم الحقائق التي كانت محجوبة عنها، وتجعل قيادة التوجيه قيادة بناء وإصلاح وإرشاد، لا قيادة هدم وإفساد وتضليل، وتستمد مقوماتها العلمية من هدى الإسلام وتعالميه، ونضوج العقل واستقامة التفكير والاعتماد على قضايا الحق والمنطق، وتحكيم الحجة والبرهان، وتجري في فهم نصوص الكتاب والسنة والاستنباط منها، والاستدلال بها على قوانين النظر والاستدلال، وأوضاع اللغة العربية وخصائص دلالتها، إذ لو وكل الأمر في ذلك إلى الناس يفهمونها ويستنبطون منها كما يريدون ويشتهون لاختلت موازين الصواب والخطأ في الفهم والاستنباط وغابت الحقائق عن الأفهام في غمرة الأهواء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015