ولكن آمال المستعمرين خابت، فقد قام الكردينال لافيجري بتربية نحو أربعة آلاف طفل من أيتام الجزائريين على المسيحية، ووضعهم في محيط قطع فيه جميع علاقاتهم مع المسلمين، ولكنهم عندما بلغوا سن الرشد عادوا إلى الإسلام دين آبائهم إلا النادر منهم [2] .
في هذه الظروف القاسية وفي أشد أدوار محنة الجزائر بالاستعمار، ظهر عبد الحميد بن باديس فقاد أعظم نهضة إسلامية إصلاحية، وسدد الله عز وجل خطاه فكان قائد الشعب الجزائري المسلم إلى التحرر من الجهل والخرافة والاستعمار.
نشأة ابن باديس:
ولد عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس في غرة ربيع الثاني سنة 1308 بمدينة قسنطينة كبرى المدائن في شرق الجزائر، من أسرة معروفة بالعلم والفضل وسعة الجاه، ويتصل نسبه بالمعز بن باديس الصنهاجي مؤسس دولة صنهاجة التي خلفت دولة الأغالبة في القيروان، وكان عبد الحميد الابن البكر لوالديه، فعنيا بتربيته وتثقيفه على يد أفاضل المربين، وحفظ القرآن الكريم وهو في الثالثة عشرة من عمره، ولفت أنظار مؤدبيه، وخاصة الشيخ محمد المداسي الذي طلب إليه أن يؤم المصلين في صلاة التراويح خلال شهر رمضان في الجامع الكبير بقسنطينة.
وكان أبرز أساتذته في هذا الدور الشيخ حمدان الونيسي الذي تلقى عليه العربية وعلوم الشريعة بجامع سيدي محمد النجار، وقد أخذ عليه شيخه الونيسي عهدا ألا يعمل موظفا في الحكومة.
وفي عام 1323 ارتحل ابن باديس إلى تونس والتحق بجامع الزيتونة، وكان من أبرز شيوخه في الزيتونة الشيخ محمد النخلي والشيخ محمد الطاهر عاشور، وبعد عامين من الدراسة كلف التدريس في الزيتونة فكان مع طلبه العلم يقوم بالتدريس على حسب العادة فيها، حتى نال شهادة التطويع (العالمية) من جامع الزيتونة.
رحلته إلى المشرق: