الأقوال السابقة لمؤلهة الفلاسفة يتبين منها أنهم يثبتون إلهاً أعلى يتفقون على إثبات وجوده وجوداً مطلقاً وعلى نفي وصفه بأي صفة ثبوتية، ونفي الحركة عنه، ويمكن أن يقال: إنهم يعتبرونه تعالى عن قولهم: عقل مجرد، أوحد لا ذات له، ولا حركة، ولا تغير وإنما يحرك غيره على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه.
هذا غاية ما أثبته هؤلاء الفلاسفة الذين هم أكبر الفلاسفة وأعظمهم عند أتباعهم، وهو قول في غاية السقوط والانحراف، ولا يقاربه في الانحراف والسخف إلا قول الملاحدة الذين ينكرون وجود الخالق جل وعلا ويتضح بطلانه من وجوه:
1- أن كلامهم عن الخالق تبارك وتعالى كله من باب الظن والتخمين، لأنهم لم يروا الباري تبارك وتعالى، ولم يروا شبيهاً له، ولم يشهدوا خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم، كما لم يأخذوا قولهم هذا عن مخبر صادق، فلا يعدو أن يكون ظناً وتخميناً.
2- أن الفلاسفة بنوا كلامهم عن الباري تبارك وتعالى على النظر في مخلوقاته مما يحيط بهم ويرونه ويشاهدونه، وهذا ليس كافياً في إعطاء العلم الصحيح الكامل بالله عز وجل لأن مخلوقاته تدل على أشياء عامة ولا تدل على أشياء دقيقة كما راحوا يحاولون أن يقرروا ويثبتوا.
3- أن الفلاسفة في كلامهم عن الله عز وجل قاسوا الغائب على الشاهد واستخدموا في ذلك قياس التمثيل وقياس الشمول، وكل ذلك باطل بالنسبة لله عز وجل لأن قياس التمثيل قياس يستوي فيه الأصل والفرع، وقياس الشمول يستوي فيه الأفراد تحت حكم واحد، وإذا كان الفلاسفة يرون أن الله لا يشبهه أحد فهذا القياس فاسد، وموصل إلى فساد، لأنهم به إما أن يجعلوه شبيهاً لغيره، بناء على قياس التمثيل، أو يجعلوه محكوماً بقاعدة واحدة، بناء على قياس الشمول، أو ينفوا وجوده، بناء على الغلو في نفي المشابهة.