لقد كان للوضع آثار سيئة على الأمة الإسلامية لبست الطابع العلمي وتغلغلت في التفكير والسلوك وهذا أمر طبيعي, فكل مضر للمجتمع - أياً كان - إذا وجد البيئة التي يرتع فيها والمناخ الذي يتنفس فيه, فإنه يترك آثاراً لا تنمحي وجروحاً لا تندمل على مر الزمان, وكذلك الوضع والتزيد في الحديث النبوي. بل يمكن القول بأن الوضع هو رأس الحربة المسموم الذي طعن الإسلام في الصميم, بواسطة الغزو الفكري الذي لازالت آثاره ومخلفاته باقية إلى الآن.
ولم تكن حركة الوضع حركة ارتجالية عفوية في كل الأحيان, بل تطورت إلى حركة مدروسة هادفة, وخطة مدبرة شاملة لها خطرها في جميع الميادين، يروي حماد بن سلمة (ت 167) عن أحد كبار الوضاعين قوله: "كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيءً جعلناه حديثاً ونحتسب الخير في إضلالكم" (?) فقد كان للوضاعين - على اختلاف منطلقاتهم - أبعاد حاولوا الوصول إليها عن طريق الدين, سواء منهم الأعداء الماكرون أو الأتباع الحمقى, فألصقوا فيه ما ليس منه, وأحلوا القشور مواضع اللباب, وألبسوا التفاهات ثوب المهمات, واستبدلوا الشرك بعقيدة التوحيد " فكان من النتائج المباشرة لتلك الحركة المشبوهة على العديد من أجيال المسلمين في العديد من أقطارهم, شيوع ما لا يحصى من الآراء الغريبة والقواعد الفقهية الشاذة والعقائد الزائفة والافتراضات المضحكة التي أيدتها وتعاملت بها وروجت لها فرق وطوائف معينة, لبست مسوح الدروشة والتصوف حينا, والفلسفة حيناً,, والعبادة والزهد حيناً آخر ... " (?) .
ولقد ساعد على بلوغ الوضع مأربه, وبروز آثاره بشكل واضح, ما مني به المسلمون في عصور الانحلال وإلى عصرنا الحاضر من ضعف في الثقافة الدينية الصحيحة, إلى جانب انتشار المذاهب الهدامة, فصارت ظلمات بعضها فوق بعض, بلغت بالأمة إلى ما نراه من جهل وذل وانكسار.