فهذا النفي لثبوت كمال ضده، وكذلك كل نفي يأتي في صفات الله تعالى في الكتاب والسنة إنما هو لثبوت كمال ضده (?) ، كقوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (?) لكمال عدله، {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} (?) لكمال علمه، وقوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} (?) لكمال قدرته. {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} لكمال حياته وقيُّوميته. {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} (?) لكمال جلاله وعظمته وكبريائه، وإلاَّ فالنفي الصِّرف لا مدح فيه، ألا يُرى أن قول الشاعر (?) :
قُبَيِّلةٌ لا يَغْدِرُونَ بذمةٍ
ولا يَظْلِمُونَ النَّاس حَبَّةّ خَرْدَلِ
لمَّا اقترن بنفي الغدر والظلم عنهم ما ذكره قبل هذا البيت وبعده، وتصغيرهم بقوله ((قُبيِّلة)) عُلم أن المراد عجزهم وضعفهم، لا كمال قدرتهم. وقول الآخر (?) :
لَكِنَّ قّوْمِي وإنْ كَانُوا ذَوِي عَدَدٍ لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ في شَيءٍ وإنْ هَانَا
لما اقترن بنفي الشر عنهم ما يدل على ذمهم، عُلم أن المرادعجزهم وضعفهم أيضاً (?) .