ومن بعد الردّ على المشركين بما يبطل شركهم وينقض دعواهم وافتراءاتهم وبما يثبت إلاهيته سبحانه ووحدانيته ينزّه الله تعالى ذاته العليّة عمّا يفعله هؤلاء المشركون في عبادتهم مالا يضر ولا ينفع، أو عن شركائهم الذين يعتقدونهم شفعاءهم عند الله (?) .وتنزيهه تعالى ذاته بعد إثبات حجته وبرهانه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لهو دليل على شناعة مقالتهم من جهة وعلى عظيم الإنكار عليهم من جهة أخرى. وكما يدلّ على أنّ قضية التوحيد له هي أسّ القضايا وعمادها، وهو - سبحانه - الذي يتولىّ تنزيه ذاته بذاته من كل ما لايليق بها، ومع تنزيه رسله وأوليائه وملائكته؛ والكون كلّه في أرضه وسمائه.
مطلب: في تأكيد ما بعد التسبيح لموضوعه وغايته:
يُتبع الله - تبارك وتعالى - الآية السابقة التي ختمها بتنزيه ذاته بما يؤكِّد موضوع التنزيه وغايته أي أَمْرَ توحيد الله إذ قال تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (?) فأخبر الله عزّ وجلّ - ههنا - أنّ التوحيد والإسلام لله ملّة قديمة أجمعت عليها الناس قاطبة فطرةً وتشريعاً؛ وأنّ الشرك وفروعه جهالات ابتدعها الغواة الضالون (?) وفي هذا تثبيت للمؤمنين ودعوة للمشركين للخروج من ربقة العبودية لغير الله تعالى وترك سبيل الغواة الضالين المنحرفين فطرة وشرعاً.
المبحث الثالث
في آية سورة الإسراء: