ولعلنا نحمل على هذا التوجيه بعض صور المعاقبة التي سمعتها في ديار بني ناشر أحد بطون أزد السراة، فهم يقولون مثلاً: "دعيت، وعفيت، وغديت"في دعوت، وعفوت، وغدوت. ويقولون: "لا حيل ولا قوة إلا بالله"في لا حول ولا قوة إلا بالله. والأخيرة لغة غابرة ذكرتها بعض كتب اللغة بلا عزو.
وقد علل سيبويه حدوث التعاقب بين الواو والياء في هذه الصيغ ونحوها بطلب الخفة وكثرة الاستعمال. فقال: "الواو والياء بمنزلة الحروف التي تدانى في المخارج، لكثرة استعمالهم إياهما، وإنهما لا تخلو الحروف منهما ومن الألف أو بعضهن، فكان العمل من وجه واحد أخف عليهم".
وكذلك جعل ابن جني علة التعاقب بينهما طلب الخفة وكثرة الاستعمال، إذ يقول: أهل الحجاز يقولون: للصوّاغ: الصيّاغ. ووجه الاستدلال منه أنهم كرهوا التقاء الواوين - لا سيما فيما كثر استعماله - فأبدلوا الأولى من العينين ياء، فصار تقديره: الصيواغ، فلما التقت الواو والياء على هذا أبدلوا الواو للياء قبلها، فقالوا: الصيّاغ، وليس هناك علة تضطر إلى إبدالها أكثر من الاستخفاف مجردًا.
ويرى الدكتور أحمد علم الدين الجندي أن إيثار الياء على الواو من سمة القبائل المتحضرة، كقريش وكنانة وكلب، على حين نجد القبائل البدوية تؤثر الواو، كطىء وتميم وقيس وعقيل ومن جاورهم وعامة بني أسد.
وعلل ميل القبائل البدوية إلى صوت الواو أو الضم، والقبائل المتحضرة إلى صوت الياء أو الكسر، بأن الضم مظهر من مظاهر الخشونة البدوية وطبع الجفاة من العرب، والكسر دليل التحضر والرقة في معظم البيئات اللغوية.