من ذلك كتابه المهيمن على كل كتاب، والمخبر عنها، والشاهد لها، والمصدق بها، لا يشبه الشعر، ولا الرسائل، البائن على كل كلام، بزغ الأسماع والأفهام، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، الذي عجزت الإنس والجن أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، كتاب جمع فيه النظم، والإعجاز، والبسط والإيجاز، والفصاحة، والبلاغة، والتحذير، والزجر، والأمر، بكل طاعة، وتكرمة وأدب، والنهي عن كل منكر، وسرف ومعصية، وفعل قبيح مذموم، والتعبد بكل فعل شريف مذكور من طهارة، وصلاة، وصيام،وزكاة، وحج وجهاد وصلة الأرحام، والبذل والعطاء، والصدق والوفاء، والخوف والرجاء، وما يكثر تعداده مما لا يحصى، مع محاجته صلى الله عليه وسلم لقومه حين قالوا: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس: 15] فأجابهم: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس:15] من ربي.
ثم قال لهم: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [يونس:16] يعني أربعين سنة - إني يتيم فقير، لا أكتب، ولا أختلف إلى معلم، ولا ساحر، ولا كاهن، ولا شاعر، أفلا تدبرون ذلك، وتعلمون أن هذه الآية لا يقدر عليها إلا الله.