لأنّ حمزة قُتل يوم أُحُدٍ، وكان تحريم الخمر بعد غزوة أُحُد، فكان معذورًا في قوله، غير مؤاخذ به. وكان الحرج عنه زائلاً إذ كان سببه الَّذي دعاه إليه مباحًا، كالنائم، والمغْمَى عليه، يجري على لسانه الطلاق، والقذف، فلا يُؤاخذ بهما (?) .

وهكذا فإنّ العاقل لا ينبغي له أن يخاطب السكران في حال سكره، ولا أن يقيم عليه الحد - إن كان ممن يملك ذلك - إلاّ بعد أن يفيق من سكره، حَتَّى يكون وقع الجَلْد عليه محسوسًا عنده، ورادعًا له بعد ذلك.

وفي حياة المسلم من المواقف ما يستدعي المسايرة، والمجاملة وإن كان فيه ما ينغص عليه، ويظنه ظاهريًا خسارة لا ربحًا، ولكن الإيمان القوي بحكمة المشرِّع وسلامة التشريع، يدفع صاحبه إلى الامتثال، ويسوغ له أمر الطاعة.

قال جابر بن عَتيك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سَيَأْتِيكُمْ رُكَيْبٌ مُبْغَضُونَ، فَإِنْ جَاءُوكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ، وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَبْتَغُونَ، فَإِنْ عَدَلُوا فَلأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ ظَلَمُوا فَعَلَيْهَا. وَأَرْضُوهُمْ، فَإِنَّ تَمَامَ زَكَاتِكُمْ رِضَاهُمْ، وَلْيَدْعُوا لَكُمْ " (?) .

قال الخطابي:

(رُكيب) تصغير (ركب) وهو جمع (راكب) .

وإنما عنى به السعاة إذا أقبلوا يطلبون صدقات الأموال.

فجعلهم مُبغضين لأنّ الغالب في نفوس أرباب الأموال بغضهم، والتكرّه لهم، لما جُبلت عليه القلوب من حبّ المال، وشدّة حلاوته في الصدر، إلاّ من عصمه الله ممن أَخلص النيّة، واحتسب فيها الأجر، والمثوبة (?) . فقد وجَّه إلى مداراتهم، والتلطف إليهم لقيامهم بما أوجب الله من حقّ للفقير على الغني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015