ولذلك نظائر كثيرة في كتاب الله من توجيه الخطاب لنبيه صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، من ذلك قوله تعالى: {لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً} [13] . فمعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يجعل مع الله إلاهاً آخر ولا يقعد مذموماً مخذولاً.
ومن ذلك قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [14] ، ومعلوم أن والديه صلى الله عليه وسلم قد ماتا قبل ذلك بزمن طويل فلا وجه لاشتراط بلوغهما أو أحدهما الكبر بعد أن ماتا منذ زمن طويل، إلا أن المراد التشريع لغيره صلى الله عليه وسلم [15] . ومثل ذلك كثير.
فآية المزمل إنما تفيد التأكيد والالتزام بتلك الكيفية التي نزل عليها القرآن وبيان أنها أفضل مراتب القراءة وحض الأمة على الأخذ بها.
ولقد كان صلى الله عليه وسلم هو المعلم الأول لهذه الأمة تلاوة كتاب ربهم وقراءته امتثالاً لأمر ربه حيث قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [16] .
وتواتر ذلك في السنة: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن" [17] .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم نتعلم من العشر الذي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه" [18] .
وعن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أمرني أن أعرض القرآن عليك. فقال: أسمّاني لك ربك. قال: نعم. فقال أبي: بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما تجمعون" [19] .