ولد سنة ثمانين وسبعمائة تقريباً ببغداد، ونشأ بها فقرأَ القرآنَ، وحفظَ كتباً جمةً في فنونٍ كثيرة، وأكثر من المحفوظات جداً وبحثَ في غالبِ العلومِ على مشايخِ بغدادَ والعجم والروم، حتى أنه بحثَ في فقه الشافعية والحنابلة وبرع فيهما، وصار يُقرئُ كتبَهما، ولازمَ الرحلةَ في العلمِ، إلى أن صار أحدَ أركانِه، وأدمنَ الاشتغالَ به، بحيث بقي أوحدَ زمانِه، وسمعَ أصولَ الحنفيةِ ودرسَ النحوَ والصرفَ، وأخذَ أصولَ الدينِ وآدابَ البحثِ والفرائض، والطب والمعاني والبيان، والمنطق وعلم الجدل والموسيقى، وارتحلَ إلى تبريز، ثم إلى أرزبخان من بلادِ الرومِ، فأخذ علمَ التصوّفِ، ثم عادَ من بلادِ الرومِِ، وناظرَ في الشامِ، واجتمعَ في القدسِ ببعضِ العلماءِ، وقد أشيرَ إليه في الصرف والنحو والمعاني والبيانِ، والمنطق والجدل وآداب البحث، والطب والعروض والفقه والتفسير، والقراءات، والتصوف وغيرها، ونزل بالجمالية، وقُرِّر في صوفيتها، وأقبلَ الناسُ عليه، فأخذوا عنه، وعَظُم في عينِ السلطانِ، ونُعت بالشيخ الإمامِ العالمِ العامل الفاضل المفنن ذي الفوائد والفرائد مفيد الطالبين، وأُذنَ له في إقراءِ علومِ الحديثِ وإفادته، وقرَّره الزيني عبد الباسط متصدّراً بمدرستهِ ووصلَه بعطاء، وسكنها بعد الجمالية وقتاً ثم انتقل منها إلى غيرِها، فولي مشيختَها، وانتفعَ به الناسُ، وممن قرأ عليه الأبذيُّ وغيرهُ مِنَ المالكية، وصار غالبُ فضلاءِ الديارِ المصريةِ من تلامذته، كلّ ذلك مع الخيرِ، والديانةِ والأمانةِ، والزهدِ والعفِة، والتقشّفِ في مسكنِه وملبسِه ومأكلِه، والانعزال عن بني الدنيا، والتواضع مع الفقراء والإطعام وكرم النفس والصبر على الاشتغال، واحتمال جفاءِ الطلبةِ والتصدّي لهم طولَ النهارِ، والتقنّع بزراعاتٍ يزرعُها في الأريافِ، ومقاساة أمرِ المزارعين وإتعابهم، والإكثار من تأمل معاني كتاب الله عز وجلَ وتدبّره، مع كونِه لم يستظهرْ