فأهل الكلام المذموم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المجمل فيقولون: ليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض إلى آخر تلك السلوب الكثيرة التي تمجها الأسماع وتأنف من ذكرها النفوس والتي تتنافى مع تقدير الله تعالى حق قدره.
الأمر الخامس: أن الرسل عليهم صلوات الله جاءوا بإثبات مفصل ونفي مجمل.
والمعطلة ناقضوهم فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل.
فإن الرسل أخبرت كما أخبر الله في كتابه الذي بعث به رسوله أنه بكل شييء عليم، وعلى كل شييء قدير، وأنه حكيم عزيز، غفور ودود، وأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأنه كلم موسى تكليماً، وتجلى للجبل فجعله دكاً، وأنه أنزل على عبده الكتاب، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته.
وقال في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} .
وهؤلاء الملاحدة جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، فقالوا في النفي: ليس بكذا ولا كذا، فلا يقرب من شييء ولا يقرب منه شييء، ولا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة، ولا له كلام يقوم به، ولا له حياة، ولا علم، ولا قدرة، ولا غير ذلك، ولا يشار إليه ولا يتعين، ولا هو مباين للعالم ولا حال فيه، ولا داخله، ولا خارجه، إلى أمثال العبارات السلبية التي لا تنطبق إلا على المعدوم.
ثم قالوا في الإثبات هو وجود مطلق، أو وجود مقيد بالأمور السلبية.
وبذلك عكسوا منهج القرآن والسنة، فأكثروا من وصف الله تعالى بالأمور السلبية التي لم يرد بها النص، وأفرطوا في ذلك إفراطاً عجيباً، بينما أنكر بعضهم جميع الصفات الثبوتية، والبعض الآخر لم يثبت سوى القليل منها.
الأمر السادس: للتفريق بين الصفات السلبية التي ورد بها النص والصفات السلبية التي أحدثها المعطلة النفاة نقول: إن الصفات السلبية التي ورد بها النص متضمنة لثبوت كمال الضد كما تقدم شرح ذلك.