روى اللالكائي في شرح الاعتقاد عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنَّه قال: "اتفق الفقهاء كلُّهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الربّ عز وجل، من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسّر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة، فإنَّهم لم يصفوا ولم يفسِّروا، ولكن أفتَوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جَهمٍ فقد فارق الجماعة، لأنَّه قد وصفه بصفة لا شيء".
وروى البيهقي وغيره عن أبي عبيد القاسم بن سلاّم قال: "هذه الأحاديث التي يقول فيها ضحِك ربُّنا مِن قنوط عباده وقُرْب خيره، وأنَّ جهنّم لا تمتلئ حتى يضع ربُّك فيها قدمَه، والكرسي موضع القدمين، وهذه الأحاديث في الرؤية، هي عندنا حقٌّ حَمَلَها الثقات بعضهم عن بعض، غير أنّا إذا سُئلنا عن تفسيرها لا نفسِّرها، وما أدركنا أحداً يُفسِّرها".
فلم يكن مِن هؤلاء الأئمة مَن يخوض في صفات الله بشيء من التفسيرات الباطلة والتحريفات للنصوص، بل كانوا يمرُّونها كما جاءت بلا تحريف، فالمراد بقول محمد بن الحسن: "لم يُفسِّروا"وقول أبي عبيد "لا نفسِّرها، وما أدركنا أحداً يفسِّرها"نفي تحريف الصفات وصرفها عن ظاهرها الذي دلّت عليه لغة العرب كما هو الحال عند الجهمية، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن أورد كلام أبي عبيد المتقدِّم "فقد أخبر أنَّه ما أدرك أحداً من العلماء يفسِّرها تفسير الجهمية".
وتفسيرات الجهمية لهذه الصفة كثيرة جداًّ وهي تقارب العشرين، كما قال مرعي بن يوسف الكرمي: "وأما أهل التأويل من الخلَف فقد اختلفوا في الاستواء على نحو العشرين قولاً ... " وذكرها.