ولهذا فقد مضى أهل السنة والجماعة قاطبة على إثبات الصفات للباري سبحانه، وفهم معناها ومدلولها فـ"التفاسير الثابتة المتواترة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان تبيَّن أنَّهم إنَّما كانوا يفهمون منها الإثبات، بل والنقول المتواترة المستفيضة عن الصحابة والتابعين في غير التفسير موافقة للإثبات، ولم يُنقل عن أحد من الصحابة والتابعين حرفٌ واحدٌ يوافق قول النفاة، ومن تدبّر الكتب المصنَّفة في آثار الصحابة والتابعين، بل المصنَّفة في السنة، من (كتاب السنة والرد على الجهمية) للأثرم، ولعبد الله بن أحمد، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبي داود السجستاني، وعبد الله بن محمد الجعفي، والحكم بن معبد الخزاعي، وحشيش بن أصرم النسائي، وحرب بن إسماعيل الكرماني، وأبي بكر الخلاّل، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبي القاسم الطبراني، وأبي الشيخ الأصبهاني، وأبي أحمد العسّال، وأبي نعيم الأصبهاني، وأبي الحسن الدارقطني، وأبي حفص بن شاهين، ومحمد بن إسحاق بن منده، وأبي عبد الله بن بطة، وأبي عمر الطلمنكي، وأبي ذر الهروي، وأبي محمد الخلاّل، والبيهقي، وأبي عثمان الصابوني، وأبي نصر السجزي، وأبي عمر بن عبد البر، وأبي القاسم اللالكائي، وأبي إسماعيل الأنصاري، وأبي القاسم التيمي، وأضعاف هؤلاء رأى في ذلك من الآثار الثابتة المتواترة عن الصحابة والتابعين، ما يُعلم معه بالاضطرار أنَّ الصحابة والتابعين كانوا يقولون بما يوافق مقتضى هذه النصوص ومدلولها، وأنَّهم كانوا على قول أهل الإثبات المثبتين لعلوِّ الله نفسه على خلقه، المثبتين لرؤيته، القائلين بأنَّ القرآن كلامه ليس بمخلوق بائن عنه.
وهذا يصير دليلا من وجهين:
أحدهما: من جهة إجماع السلف، فإنَّهم يمتنع أن يجمعوا في الفروع على خطأ، فكيف في الأصول؟
الثاني: من جهة أنَّهم كانوا يقولون بما يوافق مدلول النصوص ومفهومها، لا يفهمون منها ما يناقض ذلك.