فكيف يُتوهَّم أو يُظنّ فيما أضاف الرب سبحانه إلى نفسه أنَّه يشبه ما هو من خصائص المخلوقين، ومن المعلوم أنَّ الإضافة تقتضي التخصيص، فما يُضاف إلى الربّ يخصُّه ويليق بجلاله وكماله، وما يُضاف إلى المخلوق يخصُّه ويليق به وبكونه مخلوقاً ضعيفاً عاجزاً.
فالاستواء المضاف إلى الربّ سبحانه معلومٌ معناه، وهو خاصٌّ بالربّ سبحانه لا يشبه وصف المخلوقين، فكما أنَّه سبحانه له ذاتٌ لا تشبه الذوات فله صفاتٌ لا تشبه الصفات، فمن كان يقرُّ بأنَّ له ذاتاً حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال لا يماثلها شيءٌ فله كذلك سمعٌ وبصرٌ وكلامٌ واستواء ونزول ثابتٌ في نفس الأمر، فهو سبحانه متّصفٌ بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمعُ المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزولهم واستواؤهم. وكما أنَّه لا علم للخلق بكيفية ذات الربّ سبحانه فلا علم لهم بكيفية صفاته سبحانه، إذ العلم بكيفية الصفات يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرعٌ عنه وتابع له.
ولهذا فإنَّ الصفات معلومة من حيث المعاني ومجهولة ومتشابهة من حيث الكيفية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والآيات التي ذكر الله فيها أنَّها متشابهات لا يعلم تأويلها إلاّ الله، إنَّما نفى عن غيره علم تأويلها، لا علم تفسيرها ومعناها، كما أنَّه لما سئل مالك رضي الله عنه عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"وكذلك ربيعة قبله فبيّن مالك أنَّ معنى الاستواء معلوم، وأنَّ كيفيته مجهولة، فالكيف المجهول هو من التأويل الذي لا يعلمه إلاّ الله، وأما ما يُعلم من الاستواء وغيره فهو من التفسير الذي بيَّنه الله ورسوله.