"اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم، والقاضي الأحكم، والمفتي الأعلم، فهو صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، وقاضي القضاة، وعالم العلماء، فجميع المناصب الدينية، فوضها الله تعالى إليه في رسالته، وهو أعظم من كل من تولى مناصبها في ذلك المنصب إلى يوم القيامة، فما من منصب ديني إلا وهو متصف به في أعلى رتبة، غير أن الغالب تصرفه صلى الله عليه وسلم بالتبليغ؛ لأن وصف الرسالة غالب عليه، ثم تقع تصرفاته منها ما يكون بالتبليغ والفتوى إجماعاً، ومنها ما يجمع الناس على أنَّه بالقضاء، ومنها ما يجمع الناس على أنَّه بالإمامة، ومنها ما يختلف العلماء لتردده بين رتبتين فصاعداً، فمنهم من يغلب عليه رتبة، ومنهم من يغلب عليه أخرى، ثم تصرفاته صلى الله عليه وسلم بهذا الأوصاف تختلف آثارها في الشريعة، فكل ما قاله أو فعله على سبيل التبليغ، كان ذلك علماً عامّاً إلى الثقلين إلى يوم القيامة، فإن كان مأموراً به أقدم عليه كل أحد بنفسه، وكذلك المباح، وإن كان منهيّاً عنه اجتنبه كل أحد بنفسه، وكل ما تصرف فيه - عليه الصلاة والسلام - بوصف الإمامة، لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الإمام اقتداءً به - عليه الصلاة والسلام -؛ ولأن سبب تصرفه فيه بالإمامة دون التبليغ يقتضي ذلك، وما تصرف فيه صلى الله عليه وسلم بوصف القضاء لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بحكم حاكم اقتداءً به صلى الله عليه وسلم؛ ولأن السبب الذي لأجله تصرف فيه صلى الله عليه وسلم بوصف القضاء يقتضي ذلك" [55] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015