الأول: أن رفع المؤاخذة مع الإكراه من خصائص هذه الأمة فهو داخل في قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". فهو يدل بمفهومه على خصوصه بأمته صلى الله عليه وسلم وليس مفهوم لقب؛ لأن مناط التخصيص هو اتصافه صلى الله عليه وسلم بالأفضلية على من قبله من الرسل واتصاف أمته بها على من قبلها من الأمم. والحديث وان أعله أحمد وابن أبي حاتم فقد تلقاه العلماء قديما وحديثا بالقبول ومن أصرح الأدلة في أن من قبلنا ليس لهم عذر بالإكراه, حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قربه لصنم مع أنه قربه ليتخلص من شر عبدة الصنم, وصاحبه الذي امتنع من ذلك قتلوه فعلم أنه لو لم يفعل لقتلوه كما قتلوا صاحبه ولا إكراه أكبر من خوف القتل ومع هذا دخل النار ولم ينفعه الإكراه, وظواهر الآيات تدل على ذلك فقوله: {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} ظاهر في عدم فلاحهم مع الإكراه؛ لأن قوله: {يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِم} صريح في الإكراه وقوله: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} مع أنه تعالى قال:"قد فعلت" كما ثبت في صحيح مسلم يدل بظاهره على أن التكليف بذلك كان معهوداً قبل, وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} مع قوله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّه} فأسند إليه النسيان والعصيان معا يدل على ذلك أيضا وعلى القول بأن المراد بالنسيان الترك فلا دليل في الآية. وقوله: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} مع قوله: {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} ويستأنس لهذا بما ذكره البغوي في تفسيره عن الكلبي من أن المؤاخذة بالنسيان كانت من الأصر على من قبلنا وكان عقابها يعجل لهم في الدنيا فيحرم عليهم بعض