وهكذا يكون حمل الأمانة وتحمل المسؤولية التي كان يتمتع بها الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وهذا لا يتأتى إلا من رجل ملأ الإيمان قلبه، وقرن القول بالعمل، ولذا مكّن الله ـ تعالى ـ له في الأرض ونصره ووفقه في جميع أموره، لأنه كان صادقاً مع الله، وما عاهد عليه، ينشد الحق، ويطبق العدل، وينصف المظلوم، وهو القائل: "إن باب العدل مفتوح للجميع على السواء، والناس كلهم كبيرهم وصغيرهم أمامه سواء حتى يبلغ الحق مستقره".
ويقول ـ أيضاً ـ مخاطباً بعض جلسائه: "قد فاتكم أن الراعي مسؤول عن رعيته، وقد فاتكم أن صاحب السيادة لا يستقيم أمره إلا بالعدل والإحسان ... ".
ويوضح الملك عبد العزيز قمة العدل وشموليته بقوله: "إنني مستعد للنظر في كل شكاية موقع عليها بإمضاء صاحبها، ومستعد زيادة على ذلك أن أقابل صاحب الشكاية إذا كانت لديه بيانات شفهية لا يحب كتابتها ... ".
وهكذا يكون القائد الذي يقتدي بهدي القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله، فلم يخرج الملك عبد العزيز عما جاء في القرآن الكريم وهدت إليه السنة، فكانت أعماله تتطابق مع أقواله، ومع ما قاله وحثّ عليه الحكماء والعارفون بعوامل ازدهار الحكم والملك، فالحكماء قالوا: "إمام عادل خير من مطر وابل"فكان ـ رحمه الله ـ مضرب المثل بعدله، في وقتٍ ندر فيه من يحكم بالعدل".
وقال الحكماء ـ أيضاً ـ: "مما يجب على السلطان أن يلتزمه العدل في ظاهر أفعاله لإقامة أمر سلطانه، وفي باطن ضميره لإقامة دينه"، وكان الملك عبد العزيز عادلاً في ظاهره وباطنه، ولم يكن ـ وهو الشجاع ـ ما يظهره غير ما يبطنه، والشجاعة في هذا الميدان أشرف منها في ميدان القتال، فَلِمَ يخفي غير ما يظهر، وهو الواثق من تصرفه؟! .