والذي يهمنا هنا في موضوع "الهجر" وتوطين البادية، ما يتعلق في البحث، وهو الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز، حيث يتجلى ذلك في أن حياة البدو والغزو والسلب والتفرق وسفك الدماء والعادات المخالفة، لا تقوم معها حياة دينية ولا دنيوية مستقرة، فأخذ الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يسكنهم هذه الهجر ويشجعهم على التعليم الديني وتلقي علوم دينهم، والتعمق في فهم العقيدة السلفية وأصولها، ومختصرات الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذلك على أيدي المشايخ والدعاة وأئمة المساجد وطلبة العلم الذين كان يبعثهم الملك عبد العزيز إلى تلك الهجر، يعلمونهم الدين، ويعمقون في أنفسهم التوحيد وفرائضه، وما أوجبه الله وما حرمه، فاستجاب البادية لدعوتهم، وأصبحت الهجر منطلقاً للتوحيد وموطناً للتحضر، ونجح العلماء في إعادة نور التوحيد من جديد لهذه الهجر، فأثمر هذا النجاح عن وحدة قوية بين القبائل على أساس عقيدة التوحيد، وتسموا بالإخوان دلالة على رفع الفروق بينهم وصيرورتهم إخواناً في الله، وأصبحوا جنوداً مهيئين دائماً لخوض ساحات الوغى والقتال في سبيل رفع راية التوحيد، يسيرون بأمر قائدهم العظيم الملك عبد العزيز آل سعود في أي وقت شاء، واتخذوا كلمة (أنا أخو من طاع الله) شعاراً لهم،ولا شك أن هذا العمل العظيم الذي قام به الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يدل دلالة أكيدة على شدة تمسكه بالجانب الديني واهتمامه بشؤون رعيته الحاضرة والبادية قريبهم وبعيدهم، وهذا يؤكد ما أشرنا إليه سابقاً، وهو أن شخصية الملك عبد العزيز كانت محبة للتوحيد متمسكة به، ولها أثرها في الناس، وليس أدل على ذلك بأن تجسدت هذه العقيدة في جميع إنجازاته، وخاصة ذلك المجهود العظيم الذي تجلى في ترسيخ العقيدة الصحيحة بين أهل البادية، حتى ذكر غير واحد من مؤرخي الغرب أن عملية توطين البادية التي جرت في صدر العهد السعودي تعد أكبر عملية توطين منظم في تاريخ البشرية. والفضل