ولم يكن الإمام الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - من علماء الفقه المتخصصين، ولكنه بعد أن تعلم في صباه فرائض الإسلام، وبعد أن جالس العلماء، وجلسوا معه سنوات طويلة، تكوّن لديه إدراك عميق لجوهر الدين، ومقاصده العليا، بحيث أصبح يتميز عن بعض الدعاة في عصره، بأسلوب فريد في الدعوة إلى الله، ينصرف فيه الاهتمام الأكبر إلى دعوة الناس لتحقيق المقاصد العليا للإسلام، وإلى تعليم الناس جوهر الدين ومبادئه، في العقائد والأخلاق، ولعل ذلك هو الذي هيأ له أن يكون ملكاً، وداعية إلى الله، وأن يكون معلماً، ووليا لأمر المسلمين، ويسر له أن يجمع بين أمانة الناصح، وحزم المُلك والسلطان، وبهذا تميز عن ملوك عصره، فلم يكون في عصر الملك عبد العزيز من الملوك أو الأمراء أو الرؤساء والقادة، من اهتم بالخطاب الديني والدعوي مثل اهتمامه، ولا يوجد لأحدهم من له خطاب ديني ودعوي يمثل جانباً كبيراً من جوانب شخصيته، وقد انصرف جهد كثير من الدعاة في عصر الملك عبد العزيز إلى تعليم الناس أحكام الشرع في العقائد والعبادات والمعاملات، بسبب شيوع الجهل بالكثير من أحكام الشرع ومسائله، فضلا عن أن مسؤولية السلطان، وولي الأمر، أعم وأشمل من مسؤولية الداعية، فالدعوة إلى الله أحد جوانب الإمامة الكبرى في الإسلام، يُسأل عنها الإمام، حتى ولو لم يكن يؤديها بنفسه؛ لأنه مسؤول عن الرعية وما يشغلها في حياتها من أمور دينها ودنياها، كما ورد في الحديث الشريف "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"متفق عليه.