أذكر لهم أيها الرسول أن صانع النصر وموجده من وصل بحفنة التراب التي ألقاها عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في وجه أعدائه فوصل بها إلى كل وجه وأدخلها في كل عين فمرج أمر المشركين المقاتلين، وتقطع سلك نظامهم فتهيئوا للهزيمة واستهدفوا للانكسار {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} .
أذكر لهم وذكرهم أن النصر الذي كان لهم على عدوا الله وعدوهم لم يكن من عند غير الله الذي ألقى بالرعب في قلوب مقاتليكم فخارت لذلك قواهم، وفقدوا في الانتصار عليكم كل أملهم ومناهم، أمكنكم منهم وسلطكم عليهم فقطعتم دابرهم وحطمتم أولهم وآخرهم، وكنتم كما قيل لكم: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} .
وشيء آخر ضمن هذا التذكير عليهم أن يفهموه ويفقهوه وهو أن ما أصاب الله به أعداءهم من الهزيمة والانكسار لم يكن إلا نتيجة مشاقة هذا العدو لله ولرسول الله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} .
وها أنتم أيها المنتصرون كدتم تنزلقون باختلافكم وتنازعكم من أجل الغنيمة والمادة المرذولة، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين. احذروا الوقوع في المشاقة فإن سنة الله فيمن شاق الله ورسوله واحدة لا تتبدل وهي الحرمان والخذلان. واعلموا أن ما قيل لأعدائكم يوم مضت سنة الله فيهم بالهزيمة النكراء والعقاب الصارم الأليم {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} سيقال لكل من سلك سبيلهم في مشاقة الله ورسوله، وتمضي فيه سنة الله بالعذاب والعقاب لأن سنة الله واحدة لا تختلف ولا تتخلف والجزاء أثر طبيعي للأعمال.