أنَّ فتح الرياض واستردادها يمثل بداية صفحات جديدة من الجهاد والأمن والتوحيد المضني الذي قام به الملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى - لأجزاء ومقاطعات جزيرة العرب المترامية الأطراف، والمتباعدة الأماكن، والمختلفة الانتماءات والتوجهات، حيث كان آل الرشيد في حائل ومعظم نجد، والأتراك في الأحساء، والأشراف في الحجاز، وآل عائض والأدارسة في عسير وتهامة. أضِف إلى ذلك تنامي أطماع الدول في المنطقة وتطلعها إليها: كبريطانيا، وألمانيا، وروسيا، وغيرها.
ولكن مع كُلِّ تلك الاعتبارات والمصاعب والتحديات، حمل الملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى - على عاتقه أمانة توحيد تلك الأجزاء، ونشر الأمن فيها، وبذل في سبيل ذلك النفس والنفيس، حتى أفنى زهرة شبابه وسني كهولته في سبيل تحقيق ذلك الحلم، والتي كانت بدايته ومنطلقه فتح الرياض.
المطلب الثاني: توحيد نجد والأحساء:
أولاً: توحيد نجد والقصيم وحائل:
انطلق الملك عبد العزيز بعد استرداده للرياض في توحيد المقاطعات النجدية، حيث ضم مناطق جنوب نجد كالخرج والأفلاج والحوطة والحريق ووادي الدواسر، دون معاناة تذكر، لأنَّه وجد ميلاً وترحيباً من الناس هناك، وتَمَّ كُلّ ذلك في ظرف ستة شهور، وتوطَّد سلطان عبد العزيز في تلك المناطق [77] .
أمَّا عبد العزيز بن متعب بن رشيد فكان معسكراً في الحفر، وعلم بسقوط الرياض، ولكنه كان يمني نفسه بالاستيلاء على الكويت، لأنَّه كان يراها أصلاً والرياض فرعاً، فإذا قضى على الأصل المموِّن سقط الفرع المموَّن.
وهكذا صارت أحلام ابن رشيد هباءً منثوراً، ولم يستفق إلاَّ على الانتصارات المتوالية التي تؤكِّد سلطان عبد العزيز وتقويه في نجد.