ولما كان التسابق العلمي في عصرنا هذا بلغ شأواً بعيداً جداً، لم يكن ليدرك أو يتوصل إليه لولا تسهيل أسباب العلم والمعرفة لأبنائه وإذ كانت الأندية الثقافية والجمعيات العلمية، وقاعات المحاضرات العامة والمراكز الثقافية، والمكتبات العامة الكبرى، والمكتبات الخاصة بالمراكز العلمية والجامعات والمدارس والمعاهد، ومكتبات البلديات، والمكتبات العامة المتنقلة بين القرى، مع وسائل التثقيف الأخرى التي تشارك في تعميم الثقافة وتيسير إيصالها إلى أبناء الشعب في مختلف مدنه وقراه، من أكبر العوامل المشاركة في هذه النهضة العلمية المعاصرة.
لذلك فإن الإكثار منها معناه المساهمة في الأخذ بأسباب هذه النهضة وتبويئها المكانة اللائقة بها.
ولما كانت الغاية من هذا البحث هي (تسيلط الأضواء) إن صح هذا التعبير على المكتبات العامة وعلى أثرها في تثقيف الأمة، لهذا يجدر بنا أن نضرب مثلاً على ذلك ما كانت عليه دورنا العميلة وما كانت تحتويه من كتب، في وقت لم تتوفر فيه أسباب الطباعة كما هي عليه الآن إذ كانت الكتب تكتب باليد، ويستنسخ منها المئات لتعميمها ونشرها بين الناس، وكثرة الكتب المخطوطة التي تطبع في وقتنا الحاضر والموجود منها في مكتبات العالم الكبرى لأكبر دليل على مدى ما توصلت إليه حضارتنا في العصور الماضية.
وينقل لنا (آدم متز) في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري) عن بعض المراجع الإسلامية أنه كان في كل جامع كبير مكتبة؛ لأنه كان من عادة العلماء أن يوقفوا كتبهم على الجامع، ويقال إن خزانة الكتب بمرو كانت تحتوي كتب يزدجرد لأنه حملها إليها وتركها، ص 322.