فإذا كان ثلث الأخير عاد إلى المسجد خلق وفير من أهل المدينة وممن يفدون إليها بغية المشاركة وحضور هذا الختم فيتكامل عدد كبير رجالاً ونساء صغاراً وكباراً.. ويفيض المسجد بالجلال والوقار والهيبة والإكبار ينتظرون الإمام والبعض لم يبرح مكانه خاصة من وجد مكاناً في الروضة فيأتي الإمام ويقوم في الروضة في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون قد بقي من الختمة الثانية ثلاثة أجزاء (قد سمع) و (تبارك) و (عم) ، فيصلي الإمام كالمعتاد بالتناوب مع مساعده يبدأ الإمام بالركعتين الأوليين ويختم بالركعتين الأخيرتين، وإذا فرغ من سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} بدأ دعاء الختم ثم يكمل الركعتين ويسلم ثم يصلي هو الوتر حيث لم يوتر أول الليل ويقنت في الركعة الأخيرة منه، وإذا سلم من الوتر تسابق الناس إليه وإلى بعضهم البعض بأحر التهاني وخالص الدعاء وعظيم الرجاء في القبول وطلب العودة إلى تلك الفرصة الكريمة من كل عام.
وهنا وقفة مع التاريخ الذي سردناه للتراويح في هذا المسجد المبارك فلئن سجل العلماء والمؤرخون وأصحاب الرحلات كالنابلسي وابن جبير وابن بطوطة والعياشي صور الختم في الحرمين من احتفال هائل بإيقاد الشموع والمشاعل ونثر الزهور والرياحين وضرب الفراقع والمقارع وإنشاء القصائد والابتهالات، وغير ذلك.
فإنه في هذا الوقت وقد انقضى عهد الشموع بالكهرباء والثريات الكبريات فإن ليلة الختم في هذا العصر في المسجد النبوي أصبحت مقصد الكثيرين ومحط رحال المسافرين يفدون إليها من أطراف المملكة التماساً لبركاتها وتعرضنا لنفحاتها في هذا المسجد الكريم وفي هذا الجوار العظيم حيث يتوفر لها فضل الزمان من شهر رمضان وفضل المكان من تضاعف الأعمال.