وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت/67] .
وقال تعالى: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش/1-4] .
وإذا أسقطنا الأفعال المشينة التي خالف فيها مجتمع مكة القديم، أوامر الله بطاعته، وتوحيده، واجتناب نواهيه، وسببه ما طرأ على أهلها من شرك، ووثنية، فإنا نجده مجتمعاً يجنح أهله ويحرصون على فعل الخير، وإشاعته حفاظاً على مصالحهم، ومكانتهم المقدسة عند جيرانهم لكونهم جيران بيت الله الحرام.
فقد تحالف أهله في وقت من الأوقات على نصرة المظلوم، وكفّ يد الظالم، على شكل معاهدة ومُعاقدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، مثل: حلف المُطيِّبين، وحلف الفضول، وأنشأوا دار الندوة.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "شهدت حلف المُطَّيَّبين مع عمومتي، وأنا غلام، فما أُحب أن لي حٌمر النَّعم وأني أنكثه" [62] ، وكان بنو هاشم، وبنو زهرة، وتيمٌ قد اجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان في الجاهلية، وجعلوا طيباً في جَفنة وغمسوا أيديهم فيه، وتحالفوا على التناصر، والأخذ للمظلوم من الظالم، فسموا المطيِّبين [63] .
وكذا حلْف الفضول عندما تداعت قبائل من قريش: بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبد العُزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مُرة، فتعاقدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلاّ قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى تُردُّ عليه مظلمته [64] .