جاء في الأثر عن ابن عمر قوله: إن الله - عز وجل - اختار الكلام فاختار القرآن، واختار البلاد فاختار الحرم، واختار الحرم فاختار المسجد، واختار المسجد فاختار موضع البيت [54] .
والكعبة من المسجد قِبْلة المسلمين أينما وجدوا، وحيث ما حلوا تنفيذاً لقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة/144] ، وقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة/150] .
قال الإمام الشافعي: (شطره) جهته في كلام العرب، وكذلك (تلقاءه) أي: استقبل تلقاءه، وجهته.
قال خفاف بن نُدْبَة [55] :
ألا مَن مُبْلغٍ عمراً رسُولاً وما تُغْنى الرسالةَ شطْر عمْرو
وهذا كله مع غيره من أشعارهم يُبيِّن أن شطر الشيء: قصدَ عين الشيء، إذا كان مُعَايناً فبالصواب، وإذا كان مُغيَّباً، فبالإجتهاد بالتوجه إليه، وذلك أكثر ما يمكنه فيه [56] .
إذاً كلما كان المسلم يرى الكعبة بعينه المجرّدة، فلا يجزئه عند الصلاة إلاّ استقبال عينها، كما لو كان قذيفة أُطلقت من مَدْفَعٍ نحو الكعبة، وكلما بَعُدَ عن مركز البيت الحرام اتسعت جهة القبلة إليه، كوضع (الفرجار) يكون طرفاه مُتطَاَبِقين، ثم يأخذ كل طرف يبتعد عن مركز الدائرة حتى تصل الزاوية بينهما إلى (180ْ) درجة.
فمن صلّى في المسجد الحرام استقبل عين الكعبة، ومن كان بمكة استقبل جهة المسجد الحرام، ومن كان خارجها استقبل جهتها، ومن كان خارج جزيرة العرب اتجه نحو جزيرة العرب [57] .