ومن ثم يتبين المكان الذي يؤاخذ فيه الإنسان بإرادته المجرَّدة، ومضاعفة أجر الصلاة فيه إلى مائة ألف صلاة.
والحِلُّ يُطلق على خارج حدود الحرم، حيث المواقيت للحج والعمرة لمن أَمَّ البيت الحرام، فمن تجاوزها وقد تلبَّس بهما أو بأحدهما منها أو من بلده، فقد وجب عليه إتمامهما، والعمل بأحكامهما.
وتختلف المواقيت التي هي أبواب أرض الحرم قرباً وبعداً عنه، ليستعدَّ القادم إلى البيت الحرام من لتهيئةِ نفسه وحاله، بعد أن تجرَّد من المخيط، لتتجرد نفسه من أغراض الدنيا وشهواتها، وتُقْبِل على ربها مطمئنَّة راضية، تؤدي نسكها {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ/15] ، {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج / 29] .
ومكة المكرمة القرية الآمنة، كان نواتُها بعض أهل إبراهيم عليه السلام، أسكنهم بوادٍ غير ذي زرع عند بيت الله الحرام، ودعا الله عز وجل أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، ويرزقهم من الثمار - كل الثمار - فالسكنى كانت (عند) المسجد الحرام، وليست (فيه) مما يدل على أن موضع زمزم حيث ترك إبراهيم ابنه لم يكن من المسجد الحرام حينذاك بل بجواره، والله أعلم، واستجاب الله - عز وجل - لدعوة نبيه وخليله، فاستقر في ذلك المكان من العرب مَنْ بدد وحشة (هاجَر) ، وقوَّم لسان إسماعيل عليه السلام، حتى إذا شبَّ عن الطوق، أنكحوه منهم. ثم عاد الخليل عليه السلام يتفقد تركته، ويعلم من شأنهم ما جدّ عليه.
وكرر ذلك مراراً، حتى جاء أمر الله جلَّ وعلا، يأمرهما بإعادة بناء بيته الحرام بعد أن طمرته الرياح بالرمال، والسيول بالوحل والحجارة، على اعتبار أن الملائكة أول من شيده [2] ، قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة / 127] .