أما آض، وآل، ورجع، وعاد، وحار، واستحال، وتحوَّل، وارتدَّ، وقعد، وغدا، وراح، وسواها مِمَّا حملت على كان في الإعمال وارتضاها العلماء فهي أفعالٌ، ليس لها محل من الإعراب إذا كانت في صدارة الجُمَل، بخلاف هذا وأخواتها فهي أسماء لابدّ أن يكون لها محل من الإعراب فالقياس هنا مع الفارق.
ثم إن العرب تنصب الحال وقبله حرف تنبيهٍ فقط دون أن يأتي بعد حرف التنبيه اسم إشارة نحو ها أنا قائماً روى أبو عبد الله بن الجرّاح في كتابه المسمّى: (من اسمه عمرو من الشعراء) النص التالي: «كان عمرو بن معديكرب في مسجد الكوفة يحدّث بأيّامه في الجاهلية إذ: قال فلقيت أنس بن مدركة الخثعمي فطعنته فقتلته، وأنسٌ في القوم فقال: حِلاًّ أبا ثور ها أنا جالساً أسمعك فقال: اسكت ويحك نوزع هذه المرازبة" [87] .
والشاهد هنا: قول أنس بن مدركة: ها أنا جالساً فهل يَعُدُّ الكوفيون (ها) من عوامل التقريب؟ ويلحقونها بـ (كان وأخواتها) ولاسيما أن مراد أنس من عبارته الدلالة على القرب، لم يقل الكوفيون بذلك فيقال لهم: ما الفرق بين هذه العبارة وقولنا ها أنا ذا جالساً؟ أوليس المراد من العبارتين الدلالة على القرب؟ لماذا تعربون ها أنا جالساً حالاً، وتعربون ها أنا ذا جالساً تقريباً؟
وكذلك يحتج على الكوفيين بأن العرب أوقعت الحال بعد الضمائر كقوله تعالى: {وَهْوَ الحَقُّ مُصَدّقاً لِّمَا مَعَهُمْ} [88] وقول سالم بن دارة:
أَنَا ابْنُ دَارَةَ مَعْرُوْفاً بِهَا نَسَبِيْ
وَهَلْ بِدَارَةَ يَا لَلنَّاسِ مِنْ عَارِ [89]
فهل يقال أيضاً إن الضمير هنا محمول على كان في الإعمال؟ لم يقل بذلك أحد من النحويين. فيقال ما الفرق إذن بين أسماء الإشارة والضمائر أوليست كلها أسماء وكلها معارف، إن كان الإعمال عندكم للتنبيه فقد رفضتم نص أنس بن مدركة، وإن كان الإعمال للاسم فقد رفضتم بيت ابن دارة.