قبل الإجابة على هذا السؤال نتأمَّل قوله تعالى: {وَأنَّ هَذا صراطِي مُسْتَقِيْماً فَاتَّبِعُوهُ} [44] ، وقوله تعالى: {إنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً واحِدَةً وَأنا ربُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [45] وقوله تعالى: {وإنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنا رَبُّكُمْ فَاتَّقُوْنِ} [46] فاسم الإشارة في هذه المواضع اسم إنّ و {صِراطِي} و {أمَّتُكُمْ} خبران لـ (إن) وبهما تتم الجملة الإسنادية، والباقي فضلة، وهو ما جعله البصريون حالاً، والكوفيون جعلوا خبر إن اسماً للتقريب والمنصوب بعده خبر التقريب، ولا يصح أن يكون {مُسْتقِيْماً} و {أمَّةً} خبران لـ (إن) لكون الكلمتين منصوبتين، ولأنه سيجعل اسم الإشارة لغواً.
ولهذا أقول لا يمنع دخول العوامل اللفظية عند الكوفيين على العامل في التقريب من إعماله ما دامت شروط الإعمال متحققةً، وهم يحملون الإعمال هنا على إعمال الأفعال الناقصة التي دخلت عليها العوامل اللفظية المختصة بالأفعال ولم يمنع ذلك من إعمالها ـوهو قياس مع الفارق- كقولك لم يكن زيدٌ حاضراً وكقولك تعالى: {وَلَمْ أكُ بَغِيّاً} [47] فتحمل عوامل الأسماء على عوامل الأفعال وتصبح عاملة في ما بعدها معمولة لما قبلها.
المبحث التاسع: حكم التقريب:
وخبر التقريب بعد استيفاء تلك الشروط وانتفاء تيك الموانع حكمه جواز النصب، إذ يجوز فيه أيضاً الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هو قائم، أو على تعدد الخبر عند من يجيز ذلك، أو على جعل اسم التقريب عطف بيان من اسم الإشارة أو بدل منه وما كان خبراً للتقريب هو خبر المبتدأ.