وممّا أعيد استعماله من الممات "الإتاوة"بمعنى الجزية والخراج، فقد دَبَّتْ في هذه الكلمة الحياة من جديد، فذكرتها المعاجم المعاصرة الّتي تعنى بالمفردات الحية [3] ، وقد نصّ علماء اللّغة القدامى على إماتتها، وأنّها من ألفاظ الجاهلية [4] .
وذكر ابن دريد أنّ (الغوث) من غاث غوثاً أميت مع فعله، واستعمل منه أغاثه يُغيثه إغاثة [5] . وقد أحيا المعاصرون هذا الفعل الثلاثيّ الممات، واستعملوا منه قولهم: "غوث اللاجئين"وهو من تعبيراتهم المشهورة.
وأحيت العامّة في جزيرة العرب فعلاً مماتاً، وهو (قَلَطَ) فقالوا في ترحيبهم بالضّيف: اقْلُطْ؛ أي: تفضلْ بالدّخول، وصرَفوه في كافَة أزمنة الفعل واشتقّوا منه اسم الفاعل. وقد ذكر ابن دريد أنّ الفعل (قَلَط) ممّا أميت من الأفعال [6] ، ولهذا لم يرد له ذكر في معاجم اللّغة؛ كـ (العين) ، و (الأفعال) للسّرقسطيّ، و (الأفعال) لابن القوطيّة، و (الأفعال) لابن القطّاع، و (اللّسان) و (القاموس) و (التّاج) .
وإذا أمكن إحياء لفظ مهجور لمعنى مستجد مع وجود لفظ مولّد يمكن أن يؤدّي الغرض فإنّ إحياء القديم خير من استعمال المولّد، بشرط أن يكون ممّا يستساغ لفظه ويقبل تركيبه.
وذهب بعض المعاصرين إلى خلاف ذلك فرأى أنّ استعمال اللّفظ المولّد خير من إحياء اللّفظ الميّت واستبقاء المولود الجديد أولى من إحياء الميّت القديم [7] .
وإحياء الممات خير من استعمال المهمل؛ لأنّ المهمل لم تأتلف حروفه من أصل الوضع اللّغوي لعلل صوتيّة في الكثير الغالب، كما يظهر ذلك من تأمّل المهمل في معاجم التقليبات، وأمّا الممات فإنّه ممّا ائتلفت حروفه وساء حينا ثمّ باد لعلل دلاليّة في الكثير الغالب، والدّلالة دائمة التّغير والدّوران.