وبناء على الشروط السابقة والمذكورة أعلاه يكون أحسن الكلام ما لا يحتاج فيه إلى الكلام بل يكتفي فيه بالفعل من القول وألا يرفع بالكلام صوتاً مستكرهاً، ولا ينزعج له انزعاجاً مستهجنا.
ولهذا أدَّب لقمان ابنه في هذا الخصوص بقوله قال تعالى حكاية عن لقمان: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (1) . فخفض الصوت عند محادثة الناس فيه أدب وثقة بالنفس، واطمئنان إلى صدق الحديث، ورفعه أي رفع الصوت دليل على فقدان ذلك.
ومن هنا جاء استخدام لقمان لابنه وسيله منفرة تجعله يكره رفع الصوت، فقد شبه له من يفعل ذلك بنهيق الحمار. وليس هناك أغلظ من أصوات الحمير إذا ما قورنت أصواتها بالنسبة لسائر الحيوانات الأخرى، وقد أرشدت السنة النبوية الإنسان المسلم بالتعوذ عند سماع صوت الحمار. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطانا" (2) .
وبناء على ما ذكر ينبغي على الآباء والمربين أن يعودوا أبناءهم وتلاميذهم على الالتزام بآداب الإسلام في الحديث مع الآخرين، وأن يكون الحديث بقدر ما تدعو إليه الضرورة وبشرط عدم رفع الصوت في وجه المخاطب حتى لا يكون ذلك مصدر أذى من الحديث بغير داع أو من جراء رفع الصوت. وبهذا يكتمل منهج الآداب الاجتماعية التي أوصى بها لقمان ابنه، فقد بدأها ببر الوالدين وطاعتهما ثم عدم التكبر على الناس وكذلك الالتزام بآداب المشي على الأرض والحديث مع الآخرين.