وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بتواضعه المثل الأعلى في ذلك، فلم يعرف عنه أن رفض دعوة أقل الناس شأناً، ولم يتعال على أحد من قومه بل كان يقول: "إنما أنا عبد الله ورسوله" (1) ، ولم يرد طلباً لأحد فإن الأمة تأخذ بيده وبه فتنطلق به في حاجتها فعلى الأبناء والتلاميذ أن يسموا سلوكهم بالتواضع في كل شيء، في بيوتهم ومع ذويهم، وفي مدارسهم ومع معلميهم، وفي مجتمعهم ومع علمائهم، ومع الناس جميعاً. وفي المقابل أيضاً عليهم أن يحذروا من الوقوع في الكبر وعجب النفس فإن ذلك يؤدي بصاحبه إلى غمط الحق، وطمس معالمه، وفي النهاية يقوده إلى الدمار والهلاك وغضب الله عليه.
جـ) آداب المشي:
للمشي في الطريق آداب وواجبات قلَّ من يهتم بها مع أهميتها، وخلاصة هذه الآداب والواجبات أن المشي يطلب في أثنائه كل ما يطلب من الجالس على الطريق ويزاد عليه التواضع في أثناء المشي والتسامح مع من يقابلهم. ولهذا وصف الله عزوجل عباده أنهم يمشون على الأرض هونا أي: مشياً متصفا بالسكينة والوقار، غير مختالين ولا مستكبرين. قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} (2) .
ولهذا أمر لقمان ابنه بالاعتدال في المشية والحركة. قال تعالى حكاية عن لقمان: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ..} الآية. أي توسّط فيه، والقصد ما بين الإِسراع والبطء.
المعنى: أي امش مقتصدا معتدلاً لا بطئ الخطو ولا مسرعا مفرطا في السرعة، مشية لا ذل فيها ولا كبر، متواضعاً. وليكن لك قصد وهدف تمشي إليه، وليظهر ذلك في سيرك بحيث تمشي مشية الهادف الذي ينطلق لقصده في بساطة وانطلاق.