نخلص مما سبق أن لقمان وصيته هذه رتب الأمور بحسب أهميتها للداعية حيث بدأها بتربية النفس على طاعة الله {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاة} ثم ثنى بدعوة الآخرين {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ثم أمر بالصبر على ما يصيبه وتحمل ما يتعرض له من الأذى {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك} .
وهكذا يربَّي لقمان ابنه على منهج العبادة، حيث أن العبادة في الإسلامِ تربي الإنسان المسلم على الوعي الفكري الدائم، وهذا ما يجعله إنسانا منطقياً واعياً في كل أمور حياته، ومنهجياً لا يقوم بعمل إلا ضمن خطة ووعي وتفكير، إلى جانب ذلك فهو في يقظة دائمة يراقب الله في كل أعماله.
وإضافة إلى ما سبق فإن العبادة تربي في الإِنسان المسلم الشعور بالعزة والكرامة، قال تعالى: {… وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} الآية (1) .
فضلاً عن تربيته على قدر من الفضائل الثابتة المطلقة، لا تقف عند حدود الأرض أو القوم والمصلحة القومية، إنها أخلاق الإسلام التي تصلح لكل زمان ومكان، وبهذا المنهج الرباني المرسل للعبادة يرتبط الإنسان المسلم بإخوانه المسلمين ارتباطاً واعياً منظماً قوياً مبنياً على عاطفة صادقة، وثقة بالنفس عظيمة (2) .
خامسًا: الآداب الاجتماعية:
يستطرد لقمان في وصيته التي يحكيها القرآن هنا إلى آداب الداعية إلى الله، فالدعوة إلى الخير لا تجيز التعالي على الناس والتطاول عليهم باسم قيادتهم إِلى الخير، ومن باب أولى يكون التعالي والتطاول بغير دعوة إلى الخير أقبح وأرذل.
ولهذا لما أمر لقمان ابنه بأن يكون كاملا في نفسه، مكملا لغيره، كان يخشى بعدها من أمرين، أحدهما: التكبر على الغير بسبب كونه مكملا به. والثاني: التبختر في النفس بسبب كونه كاملا في نفسه.