وتارة يكون الكلام مع المسلمين وتارة مع الكافرين وتارة مع من مضى وتارة مع من حضر وحيناً في عبادة وحيناً في معاملة ووقتاً في ترغيب ووقتاً في ترهيب وآونة في بشارة وآونة في نذارة وطوراً في أمر دنيا وطوراً في أمر آخرة ومرة في تكاليف آتية ومرة في أقاصيص ماضية، وإذا كانت أسباب النزول مختلفة هذا الاختلاف ومتباينة هذا التباين الذي لا يسير معه الأئتلاف، فالقرآن النازل فيها هو باعتبار نفسه مختلف كاختلافها، فكيف يطلب العاقل المناسبة بين الضب والنون والماء والنار والملاح والملاح والحادي وهل هذا إلا من فتح أبواب الشك وتوسيع دائرة الريب على من في قلبه مرض أو كان مرضه مجرد الجهل والقصور فإنه إذا وجد أهل العلم يتكلمون في التناسب بين جميع آي القرآن بليغاً معجزاً إلا إذا ظهر الوجه المقتضي للمناسبة وتبين الأمر الموجب للارتباط فإن وجد الاختلاف بين الآيات فرجع إلى ما قاله المتكلمون في ذلك فوجده تكلفاً محضاً وتعسفاً بيناً انقدح في قلبه ما كان عنه في عافية وسلامة.