وقد يظن ظان أن تعليق هذه الأفعال بهذه الآلات إنما هو لغو لا حاجة إليه فإن تلك الأفعال (الرؤية، القبض، الوطء، الذوق) لا تُفعل إلا بهذه الآلات (العين، اليد، القدم، اللسان) وليس الأمر كما يظن الظان, بل هذا إنما يقال في كل شيء يعظم مَنَالُه ويَعزُّ الوصولُ إليه أو يصعب تصديقه، أو يشتد إنكاره، فيؤتى بهذه الأدوات على جهة الإِطناب دلالة على نيله، أو لتأكيد وقوعه، كما لو أنكر المخاطب قولاً نسبته إليه فقلتَ: "لقد قلته بلسانك وسمعته منك بأذني"، مع أن القول لا يكون إلا باللسان وأن السماع لا يكون إلا بالأذن, فإن أحداً لا يُنكر من قولك، بل يدرك أنك ذكرت ما ذكرت لعِلَّة مقبولة.

وعلى هذا النحو ورد قولُه تعالى: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُم} (الأحزاب: من الآية4) , لأن هذه الآية إنما وردت في شأن جعل الزوجة الحلال بمنزلة الأم.

الحرام في الظهار وفي جعل الأدعياء أبناء فأعظم الله الرَّدً والإِنكار في أن تكون الزوجة أمّاً والمملوك ابناً وأنَ مثل هذا يكون محالا.

2- ما يرد من الإِطناب في الجملة الواحدة على جهة المجاز وهذا كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج: من الآية46) . إذ من المعلوم أنَّ القلوبَ لا تكون إلا في الصدور، إلا أنه لِمَا عُلِمَ وتحقق أنَّ العمى على جهة الحقيقة إنما يكون في البصر وأن استعماله في القلوب إنما يكون على جهة التجوز بالتشبيه، فلما أريد ما هو على خلاف المتعارض من نسبة العمى إلى القلوب ونفيه عن الأبصار لا جَرَمَ احتاج الأمر فيه إلى زيادة تصوير وتعريف ليتقرر أنَّ مكان العمى هو القلوب لا الأبصار.

الثاني: الإطناب الذي يكون في الجمل المتعددة وهو أربعة أنواع هي:

1- أن يذكر الشيء فيُؤتى فيه بمَعَانٍ مُتداخلة، إلا أن كل معنى يختص بخصيصة ليست للآخر كقول أبي تمام:

بكرٍ وإحسانٍ أَغَرَّ مُحَجَّل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015