ولم تكن رسالة المسجد في الإسلام قاصرة على الصلاة وحدها بل كانت المساجد ولا تزال مفتحة الأبواب لا يرد عنها طالب علم أو قاصد ثقافة.

ففي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أقام فقراء المهاجرين وفي هذا المسجد استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الوفود ومنه انطلقت البعوث وأرسلت الجيوش.

ولقد كان هذا المسجد الجامعة الأولى التي ربى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على يديه خير تربية فقهوا في دين الله فكانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العمل.

فكان الصحابة رضوان الله عليهم يختلفون إلى هذه المدرسة فيصيبون فيها علماً وهدى وفضائل وأدباً وأحكاماً ما اتسعت لذلك أوقاتهم وساعدت عليه ظروفهم.

ولقد كانت التربية العملية في هذه المدرسة الأولى لها المقام الأول في العناية لأنها نتيجة العلم وثمرته.

فأصبحت إطاراً لكل فضيلة وسياجاً من كل ظلم، ومناجاة من كل رذيلة، وحماية من كل كبر.

فكانت أساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه المثل الأعلى في تكوين الإنسانية بأسمى صفاتها.

فتخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المسجد بقيادة حميدة وتعاليم رشيدة يمضون في مسالك الأرض يقيمون الحق وينصرونه ويدعون الله فقادوا العالم إلى وجهه سليمة واتجهوا به إلى شاطئ السلام.

حملوا للعالم ديناً ينظم حياته، ويساير فطرته، ويسمو بإنسانيته، وأماطوا عنه حجب التشاغل وأزالوا عنه ركام المادة فاهتدت القلوب بعد الضلال، وسكنت النفوس بعد الاضطراب، فكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم علماء أجلاء وقواداً عظماء تسير الفتوحات أين ساروا، ضربوا للعالم بعد رسول الله أروع مثل في الإخلاص لدين الله مع شجاعة فائقة، ونضوج عقل، فاستطاع المسلمون في مدة وجيزة أن يقضوا على الدولتين العظيمتين الروم وفارس رغم ما كان لهما من القوة وشدة البأس، وأن يقلبوا التاريخ رأساً على عقب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015