فقلت: إنَّه يذكرك بضدّ هذا. قال: وما ذاك؟ قلتُ: ذكر أنَك صحّفت في المصنَّف نيِّفاً وعشرين حرفاً، فقال: ما هذا بكثيرٍ. في الكتاب عشرة آلاف حرفٍ مسموعة، فغلطٌ فيها بهذا ليسيرٌ، لعلّي لو نوظرت عنها لاحتججت فيها ولم يذكر إسحاق إلا بخير.

قال الزبيدي: ولما اختلفت هاتان الروايتان في العدد، أمرني أمير المؤمنين رضي الله عنه بامتحانِ ذلك، فعددْتُ ما تضمَّنَ الكتاب من الألفاظ، فألفيت فيه سبعة عشر ألف حرفٍ وتسعمائة وسبعين حرفاً.

هذا وقد أثني العلماء كثيراً على هذا الكتاب.

فقال شمر: ما للعرب كتابٌ أحسنُ من مصنَّف أبي عبيد.

وقال ابن درستويه: الغريب المصنف، من أجلِّ كتبه في اللغة.

وقال أبو عبيدٍ عن كتابه: هذا الكتاب أحبُّ إليَّ من عشرة آلاف دينار. يعني الغريب المصنَّف. وقال إبراهيم الحربي: ليس لأبي عبيد كتابٌ مثلُ الغريب المصنف.

توثيق الكتاب

لا حاجة إلى توثيق نسبة الكتاب لمؤلّفه، إذ ذكره كل من ترجم لأبي عبيد، قديماً وحديثاً وتكاد تصل نسبة الكتاب لمؤلفه مبلغ التواتر، ولا حاجة لتفصيل ذلك، فقد مرَّ أكثر مَنْ ذكر هذا الكتاب في أثناء كلامنا في هذه المقدمة متفرّقاً، فهو أشهرُ من نارٍ على علمٍ.

ويسَّمى أحياناً "الغريب المؤلف"كما جاء في الورقة الأخيرة من مخطوطة تونس، وكذا ذكره الأزهري في مقدمة تهذيب اللغة ص 31 وص 53.

النَّاقدون لكتاب الغريب

مهما أتقن الإنسان عمله، فإنَّه لا يصل إلى رتبة الكمال المطلق، ومهما بالغَ في تنقيح كتبه ومصنفاته، فإنَّه سيبقى فيها بعض الخلل والاعتراضات وفي هذا دليلٌ واضحٌ على استيلاء النقص على الجنس البشري الضعيف، وفيه أيضاً تأكيدٌ لمعجزة القرآن الذي وصفه تعالى بقوله: {لاَّ يَأتيهِ الباطل مِن بَين يَديهَ وَلاَّ من خلفه تَنزِيلٌ من حَكيمٍ حَمِيدٍ} فصِّلت: 42.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015