ومع عظم هذا المقام وشدة هوله يتذكر حبيبته، ويتخيل لمعان السيوف والأسنة كلمعان ثغرها عندما تبتسم، فيتفجر في نفسه الشوق إليها حتى يكاد يهجم على تلك السيوف لا باطشاً ولكن مقبلاً.
فهذه الصورة نجحت في التعبير عن: شجاعة الشاعر، وشدة محبته لصاحبته، وجمال ثغرها وحسنه.
وهكذا كلما تأملت شيئاً من عيون الشعر وجيده تجد أن حسنه وجودته في صدق المعاني وصدق التعبير وجماله.
وتجد الشعر كلما أغرق في الاستعارات البعيدة والصور المستحيلة ازداد قبحاً وصار مستهجناً.
وبذلك تعلم أن أعذب الشعر أصدقه! وأن هذا هو الميزان الصحيح كما قرره حسان بن ثابت رضي الله عنه.
موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الشعر:
النبي هو سيد العلماء، فهل كان يكره الشعر ويذمه؟
من المجمع عليه أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن شاعراً ولم ينظم الشعر، بل طبعه الله عز وجل على خلاف سجية الشعراء ومنع عنه ملكة الشعر.. حتى ما كان يستقيم في لسانه في الغالب، وإن كان يجري على لسانه أحياناً، إلا أن المنفي عنه بالجملة أن يكون شاعراً، فإذا جرى على لسانه بيت أو بيتان مستقيمان فإن ذلك لا يعني أنه قال شعراً، لأن جريان كلام منظوم بغير قصد لنظمه وعنايته بإيجاده موزوناً، يجري على كل الألسنة ولا يعتبر شعراً..
قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} (1) : أخرج ابن كثير عن الشعبي قال: "ما ولد عبد المطلب ذكراً ولا أنثى إلا يقول الشعر إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم".