وإذا كانت نوازع الإنسان متعددة.. يملي بعضها العقل..بينما يملي بعضها الآخر القلب والوجدان.. فإن من السخافة والجهل بطبيعة الأشياء.. أن يحاول دين ما.. أو ثقافة ما أن تجعل من الإنسان ذا نوازع عقلية صرفة، أو ذا نوازع وجدانية صرفة.. في حين أن الإنسان عقل ووجدان..
وهذا ما يشير إليه الجواب الذي قدمناه آنفاً.. حيث إن هذا الرجل الذي هداه الله إلى الدين الحق.. كان يبحث عما يروي ظمأه العقلي.. وظمأه الوجداني في وقت واحد.. ولا شك أن ذلك هو الخط المستقيم الذي يمر عليه كل تفكير مستقيم..
وأخطاء العصر.. ومآسيه.. ومشكلاته.. التي يتخبط فيها الأقوياء والضعفاء.. والمنتصرون والمنهزمون والأثرياء.. والبؤساء.. هي نتائج وليست مقدمات.. هي نتائج التنكر لطبيعة الإنسان مفرداً.. ومجتمعاً.. والتذكر لطبيعة الأشياء في الحسيات والمعنويات.. وحفر هوة عميقة بين عنصري الحيوانية.. والإنسانية.. في بني الإنسان..
فبقدر ما يحقق الإنسان انتصارات علمية.. واختراعات بشرية.. وتقدم يسير.. ويطير بقدر ما يسجل على نفسه في عصر الذرة والصاروخ سخافات وتفاهات وحماقات.. أفقدت السعداء سعادتهم.. وضاعفت في الأشقياء شقاوتهم.. ولو كان الإنسان يحقق انتصارات أخرى في الميدان الذي تهيم فيه الأرواح والقلوب.. وتتلوث الأخلاق.. والضمائر.. وتنتهك فيه الحرمات الإنسانية.. لكان بذلك يحفظ توازن الحضارات والثقافات ويضمن استمرار المجتمعات وتسلسل حلقات الحياة.. عبر الزمان والمكان.
ولقد أخطأ الإنسان في ماضيه يوم كان يخرج من وثنية إلى أخرى.. عبد الشمس.. والنار.. والكواكب.. والأشجار.. والحيوانات.. وقدس الأزمنة والأمكنة.. وهام بعدد من المخلوقات هياماً شبيهاً بالعبادة.. إن لم يكن عينها..