وقبل الجواب لابد أن نعود بالذاكرة إلى أيام انهيار الحكم الأموي، تحت مطارق الثورة العباسية التي طوت صفحة عريضة من التاريخ، وكان من حصادها سقوط عشرات الألوف من الأسرة الحاكمة وأعوانها من مختلف القبائل، فذلك حَدَث لا يتصور زواله من أعماق كل أموي، ومن شأنه أن يعمق في قلبه نوازع الحقد على كل ما هو عباسي، ومن هنا كان نظر كل من الفريقين إلى الآخر يتميز بالحذر ومراقبة الفرص للانقضاض والردّ أبدا.. وقديما قيل "عدو عدوك صديقك" لما وعن هذا الطريق يكون التقارب بين الشيعية والأموية مع الحذر الدقيق أمراً طبيعيا، وعلى هذا الأساس يكون تشيع الأصفهاني سطحيا لا يعدو حدود القشور، وهو أجدى عليه من حيث حاجته إلى الاتصال المصلحي بسلطات ذلك العهد مما يمكن أن يحقق له غير قليل من المكاسب، وهذا ما حدث إذ أتاح له – عن طريق شهرته الأدبية- أن يعقد الصلات الوثيقة مع وزراء وكبراء من ذلك العهد، وأن يتولى منصب الكتابة – وهي أشبه بالوزارة – في ظل البويهي ركن الدولة، وكذلك تسنمه منصة القضاء.. وقد نجح في هذا الجانب كل النجاح إذ كان موضع تقدير الكثير من رجال القمة يؤاكلهم ويشاربهم ويذاكرهم ويقارضهم الشعر ويجرع معهم الخمرة كشأنه مع الوزير المهلبي، الذي يبلغ به التعالي إلى مثل عمل الوزير ابن الزيات، حيث كان يقف على جانبي كل منهما عند طعامه غلام يقدم إليه ملعقة وآخر يتناولها منه في كل لقمة.. ومع ذلك لا يمنعه تعاليه من مجالسة الأصفهاني على مائدته الخاصة، وذات مرة يغلب السعال على أبي الفرج فيقذف بقيئه وسط تلك المائدة فينهض الوزير ليرفعها بنفسه ثم يدعو بغيرها ويواصلان الأكل معا دون عتاب ولاعقاب!!.

وطبيعي أن أحد الأسباب التي ساعدت الأصفهاني على احتلال هذه المكانة إنما يعي إلى إخفائه أمويته تحت ستار التشيع الذي كان بالنسبة إلى سياسة ذلك العهد العباسي أخف الشرين..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015