ومن يُقلّب صفحات كتب النحو يجد أنَّ القياس كان أحد الركائز التي قام عليها صرح علم النحو وبُسطت به مسائله وأحكمت قواعده، واسْتقَام به الدرس النّحويُّ، وكان أحد الروافد المعينة لأئمة النحو في توجيه المسائل التي لم يكن لها دليلٌ من نقل فحملوها بمقتضى القياس على ما يماثلها مِمّا استقام نهجها على مجاري كلام العرب. وابن أبي الربيع في مؤلفاته النحوية، وفي هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز ينزع منزع السلف من أئمة النحو في التَّعويل على القياس في المسائل التي لا مستند لها من النقل أو السماع الموثوق به، ومِمّا وجهه في هذا الجزء من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه على مقتضى القياس ما يلي:
الجر بحرف الجر المحذوف إذا كان مجروره أنّ أو أن وذلك قياساً على (ربّ) قال في
توجيه الآية الكريمة: (إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً..) (أن يَضْرِبَ) على إسقاط حرف الجر، وأصله: إنَّ الله لا يستحي من أن يضرب ثم حذف مِنْ.. واختلف الناس في بقاء عمله أو زوال عمله كما اختلفوا في (أنّ) وكلا الوجهين له وجه، والأظهر عندي أن يبقى العمل فيما حَذْفُه كثير، ويجرى مجرِى رُبّ، فإنها حُذِفَتْ وبقى عملها 00) . (120) .
المصدر الموضوع موضع الحال القياس أن يكون مفعولاً لأجله
قال في توجيه إعراب (بغياً) من الآية الكريمة: (بئْسَمَا اشترَوا بهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ الله بَغْياً) . .
(.. (وبَغْياً) مصدرٌ في موضع الحالِ، أيْ باغين لأجلِ أنْ ينِزّل الله من فضلهِ، أو يكونَ مفعولاً لأجلهِ، لأنَّ المصدَرَ الموضوع موضع الحال يُحفظُ ولا يقاس عليه، والمفعول من أجله قياس. (135) .
ويتكررُ هذا بتفصيل أدق في المصدر (حسداً) الواردة في قوله عز وجل: (وَدَّ كَثِيرٌ منْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً) (?) .