(.. اختلف النحويَّون في الشيطان، فمنهم مَنْ جعله مشتقاً مِنْ شَطَن إذا أبعدَ، فيكون وزنه فيعالاً بمنزلة بيطار، وهذا القولُ يَقْوى بقولهم: شيطن الرّجل إذا تمرد؛لأنَّ تَفْعِيل مِن كلام العرب وتَفَعْلَنَ ليْسَ مِن كَلامهِم، وجعلهما من مادةٍ واحدةٍ هُوَ البين،
وأمَّا جعلهما من مادَّتَينْ مُخَتلِفَتين فبعيدٌ، لأنَّ معنى تشَيْطَن صار شَيْطاناً فالأصولُ في شَيْطان هي الأصولُ في تشيطن، والزوائد هي الزوائد في تشيطن.
ومنهم من قال: إنَّ شيطانا فعلانٌ وجعل الياءَ أصْلية، وجعلهُ من شاط يشيط إذا احترق، فإذا اعُترِضَ عليه، بتشيطن قال: تَشَيْطنَ من شَطَنَ إذا أبْعدَ وجَعَلَهما من مادتين مختلفتين.
وهذا القولُ يقوى؛ لأنَّ بناء فعلان أكثر من بناء فيعال، لأنّ النون إذا كانت طرفاً بعد ألِفٍ وقبلها ثلاثة أحرف فأكثر فالغالب عليها أن تكون زائدة.
فهذان قولانِ في شيطان مُزجّحان، فيعال أكثر ترجيح بتشيطن، وفعلان ترجّح بأنَّ الزيادة على النّون في هذا الموطن أغَلبُ من الأصالةِ، فهُمَا قَوْلاَنِ مُتساوِيانِ لِما ذَكَرْتُهُ وبناء فعلان أكثر من بناء فيعالٍ، والقولان لسيبويه في الكتاب (?) (?) (63) .
الاشتقاق في "ذُرِّيّهْ "
من قوله عز وجل: (قَالَ وَمِن ذريتي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّاِلمِينَ) () :
أورد ابن أبي الربيع ثلاثة أقوال في اشتقاق "ذُرِّيّه "رجح الأوَّل منها، واستبعد الأخير منها مع ما أورده له من توجيه، وجعل الثاني في درجة القلة لكونه موجوداً في كلام العرب، ومما قاله في هذا الصدد:
.. والذًّرية يمكنُ أنْ تكُونَ من ذرَّ كما تقول: كُلَّما ذَرَّ شارف، أَيّ طَلعَ، وهذا البيّن، فتكون الذُّرية مُشْتقّةُ من هذا، فتكون الياءان لِلنّسب، ويكون كأحمري وكُرْسيّ، ودوارِيّ اللَّفظُ لَفظَ النّسبِ والمعنى على النّسب.