قال القرطبي: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} ، أي: وأمرناهم بالوالدين إحسانا وقرن الله عز وجل حق الوالدين بالتوحيد في هذه الآية، لأن النشأة الأولى من عند الله، والنشء الثاني - وهو التربية- من جهة الوالدين.
وقال ابن كثير: وهذا هو أعلى الحقوق، وأعظمها، وهو حق الله تبارك وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له، ثم بعده حق المخلوقين، وآكدهم وأولاهم بذلك حق الوالدين، ولهذا يقرن تبارك وتعالى بين حقه وحق الوالدين أهـ. ويعني بالمقارنة بين حق الله سبحانه وحق الوالد ما جاء في هذه الآية وآية الإِسراء والنساء وغيرهن من الأمر بعبادته وحده، ثم بالإحسان إلى الوالدين، وكذلك ما جاء في قضية الشكر لله سبحانه ومقارنته بشكرهما في قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} .
خامساً: إن الله سبحانه جعل العقوق للوالدين قرينا للشرك في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا ... } الأنعام: 151.
ففي هذه الآية نهى عن الشرك بالله سبحانه، ثم أتبعه بالأمر بالإحسان للوالدين، والأمر بالشيء يقتضى النهي عن ضده، وهو تحريم ترك الإحسان، ولما كان ترك الإساءة في حق الوالدين غير كاف في البر بهما أمر بالإحسان إليهما ليشمل الأمرين، وهما تحريم الإساءة إليهما والأمر بالإحسان إليهما.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عقوق الوالدين من السبع الموبقات، كما جاء في الحديث الصحيح.
سادساً: الأمر بالدعاء لهما والاستغفار لهما:
قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} الإسراء: 24.
قال القرطبي: الخطاب في هذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به أمته، إذ لم يكن له- عليه السلام- في ذلك الوقت أبوان.
وسطر الله سبحانه مواقف إبراهيم عليه السلام مع أبويه: