وهذا القول مجانب للصواب، بعيد عن الحقيقة. وهو من فضول الكلام الذي ألقي على عواهنه بدون دراسة ولا بحث ولا رؤية.
وبعضهم يذهب إلى عدم تحديد بداية لهذا الاصطلاح "التفسير الموضوعي"لما عند الأقدمين، كما في عصرنا الحاضر حيث يقول: "إذ إِنه حتى لو وجد هذا اللون من التفسير لدى بعض المتقدمين فإنه لم يكن معروفا وشائعا بينهم بهذا الاسم فيما أعلم"اهـ.
والذي يجدر التنبيه عليه حول هذا الرأي. أن لا مشاحة في الاصطلاح فكون هذا الاصطلاح "التفسير الموضوعي" ما عرف إلا في العصر الحاضر لا ينفي عدم وجود هذا العلم لدى الأقدمين، ولأن قوله "إذ إِنه حتى لو وجد"الخ يثير التشكيك في عدم وجوده وهذا غير وارد بل هو موجود كما سأبين ذلك- إن شاء الله تعالى-.
إن هذا الفن من التفسير اعتنى به العلماء الأقدمون جمعا وترتيبا ودراسة واستنباطا وجالوا فيه وصالوا. وكان من فرسان ميدانه العلم العالم مقاتل بن سليمان الأزدي ت 150 هـ حيث ألف فيه كتابا قيما سماه "تفسير الخمسمائة آية في الأمر والنهي والحلال والحرام " جعل ترتيبه على طريقة الفقهاء- رحمهم الله- في تأليفهم، بدأه بتفسير الإيمان، ثم ذكر أبواب الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، ثم المظالم، ثم المواريث، ثم الربا، ثم الخمر، ثم النكاح، ثم الطلاق، ثم الزنا، ثم ذكر بعض الآداب والمعاملات في دخول البيوت، ثم ذكر أبواب الجهاد.
ومقاتل - رحمه الله - وإن لم يستقص ذكر الآيات ذات الموضوع الواحد في مكان واحد، فهو بحق من أوائل العلماء الذين كتبوا فيما نحن بصدده من التفسير الموضوعي (?) .