وعلى هذا لنا أن نعد قول من قال: فَعَل جمع فاعل قولاً فيه شيء من التجوز والتسامح، وأنهم لا يقصدون بالجمع هنا الجمع المكسر الذي له صيغ معروفة وأحكام خاصة، وإنما يقصدون به مطلق الجمع، ولو لم يكن على تلك الصيغ، وخالف في الأحكام.

ثم هل لنا بعد هذا أن نقول: إن (فَعَل) كان في الأصل (فعلة) ، ثم نُقص بحذف التاء، كما قد يفهم من بعض النصوص المتقدمة [86] ؟.

فالجواب: لا، ليس لنا أن نقول ذلك، لأنه قول ينقصه الدليل، ويمكن أن ينقض بما يأتي:

1- فعل لم يقتصر ورودها على فاعل كما تقدم، بل وردت جمعاً لفِعال وفَعول وفَعيل، كما تقدم، فلو سلمنا جدلاً بأن (فَعَل) منقوصة من (فَعَلة) فيما كان له مفرد على (فاعل) فما العمل في غيره؟.

2- أن ما جمع على (فَعَل) ورد أحياناً جمعه على (فَعَلة) وأحياناً لم يرد، بل يمتنع قياساً، فنحن لو سلمنا جدلاً بإمكانه في الأول، فما القول في الآخر؟.

3- أن (فَعَل) إذا كان أصله (فَعَلة) فلابد أن يشترط فيه ما اشترط في أصله، والمعروف أنَّ (فَعَلة) ينقاس في الوصف المستوفي أربعة شروط: على وزن فاعل، صحيح اللام، للمذكر، العاقل، نحو: كامل، وساحر، وكافر وفاجر، وخازن، فتقول في جمعها: كملة ... إلى آخره. قال تعالى: {وَجَاءَ السَّحَرَةُ} [87] ، {أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [88] {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} [89] . ومن هذا جَوَلة وخَوَلة جمعي جائل (ذاهب في الأرض) وخائل (متكبر) ، إلا أن هذين الجمعين لم يعلا شذوذاً، غير أنه يقل هذا الجمع في المضاعف. قال ابن خالويه: "ليس في كلام العرب من المضاعف فاعل وفعلة إلا شاب وشَبَبة، وبار وبَرَرة، وعاق وعَقَق". وشذ جمع ما ليس على فاعل كسيِّد وخبيث [90] .

ثم إن فاعلاً إن كان اسماً فله إذا جمع ثلاثة أمثلة: فواعل، فُعلان، فِعلان، نحو: كواهل، وحُجران، وجنان [91] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015