وبعد ذلك، لابد من القول إن الحكمين تدارسا مسألة الخلافة، وكانا مهتمين في البحث عمن يكون محل إجماع الأمة واتفاقها، وقادراً على القيام بأعباء الخلافة، ولاشك أن عزم سعد بن أبي وقاص على الاعتزال والبعد عن الأحداث الجارية جعله لا يلتفت إليه من جانب الروايات، وربما من جانب الحكمين أيضا، وقد يكون عبد الله بن عمر وهو ممن جعله عمر بن الخطاب في أهل الشورى ولا شيء له فيها، أقرب الناس في نظر أبي موسى إلى محبة الناس والإجماع عليه، ولكن عمرو بن العاص كان لا يراه أهلا للخلافة، فلم يوافق أبا موسى عليه، وطالت الاجتماعات ويبدو أن ثقل المسئولية والحرص على جمع الكلمة جعل الاتفاق على شخص يأمنا الإجماع عليه موضع تردد منهما، وقد وصف خليفة بن خياط ذلك بعدم الاتفاق، فقال: فلم يتفق الحكمان على شيء [67] .
وأما الذهبي، فقد فسر عدم الاتفاق تفسيرا آخر قال: لما اجتمع أبو موسى وعمرو بدومة الجندل للتحكيم لم يتفقا، لأن أبا موسى وعمرو بن العاص اتفقا على خلع علي ومعاوية بينهما واختلفا أمام الناس، فخلعهما أبو موسى وخالفه عمرو فخلع عليّا وولى معاوية، وقول الذهبي فيما يتصل بموقف عمرو من معاوية يخالف ما جاء في رواية الدارقطني وعند خليفة بن خياط، والمقدسي في البدء والتاريخ في بعض رواياته، قال المقدسي: وقال قوم، خلع عمرو عليّا ولم يُدْخِلْ معاوية [68] .