معنى ذلك هل أن المجتهد يمكن أن يستفتي مجتهدا آخر في حكم مسألة من المسائل لم يجتهد بعد في معرفة حكمها أم لا؟. اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
فقال أبو العباس ابن سريج: "يجوز للمجتهد أن يقلد مجتهدا آخر فيما يخصه إذا كان بحيث لو اشتغل بالاجتهاد لفاته الوقت". وقد استدل بالأدلة الآتية:
أولاً: قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون} (?) .
وجه الاستدلال: أن العالم قبل أن يجتهد لا يعلم فوجب أن يجوز له السؤال.
ثانيا: قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} (?) .
وجه الاستدلال: العلماء من أولي الأمر، لأن أمرهم ينفذ على الأمراء والولاة.
ثالثا: قوله عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين} (?) .
وجه الاستدلال: أوجب الشارع الحذر بإنذار من تفقه في الدين مطلقا. فوجب على العالم قبوله، كما وجب على العامي ذلك.
رابعا: إجماع الصحابة: إذ روي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال لعثمان رضي الله عنه: "أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله، وسيرة الشيخين" فقال: "نعم". وكان ذلك بمشهد من عظماء الصحابة، ولم ينكر عليه أحد فكان ذلك إجماعا.
خامسا: أجمعنا على أنه يجوز للمجتهد أن يقبل خبر الواحد عن مجتهد آخر. بل عن عاص، وإنما جاز ذلك اعتمادا على عقله، ودينه، فهنا إذا أخبر المجتهد عن منتهى اجتهاده بعد استفراغ الوسع والطاقة. فلأن يجوز العمل به كان أولى.
سادسا: أن المجتهد إذا أدى اجتهاده إلى العمل بفتوى مجتهد آخر فقد حصل ظن أن حكم الله تعالى ذلك وذلك يقتضي أن يحصل له ظن أنه لو لم يعمل به لاستحق العقاب فوجب أن يجب العمل به، دفعا للضرر المظنون.